دستور القراءة والكتابة 4

(لماذا نقرأ ونكتب؟)

الثقافة
من دواعي القراءة والكتابة الثقافة (العقيدة، وما اشتمل عليها، وتولد منها، ونشأ لها من علوم ومعارف وخبرات، وأقوال وأفعال وإقرارات، منذ اعتقدت إلى يوم تطلب)، التي يطلب بها كل متثقف تنوير بصيرته وتهذيب مسلكه وتعميق إنسانيته، بقراءة تراثها، والكتابة فيه كلتيهما جميعا. فأما التثقف بالقراءة فواضح معروف مسلم -إذ يطلع بها القارئ على متثقفاته- وأما التثقف بالكتابة فكالغامض المجهول المنكر، على رغم ما تقتضيه الكتابة في الشيء من تأمل طبائعه وخصائصه ومعالمه والاجتهاد في تدقيق وصفه وتصحيح تفسيره! وهل أوجه من ذلك تثقفا أو أرجح أو أسمح! أم هل أدل عليه من حرص بعض نحارير أساتذتنا إذا ما استطلعنا رأيه في شيء، على ألا يقضي حتى نكتب له فيه؛ فلقد علم أننا نحصل بهذه الكتابة ما يكفيه مؤونة إقناعنا أو يريحه من ثقلها!

الراحة
ومن دواعي القراءة والكتابة الراحة (التخفف من الجواثم المادية والمعنوية)، التي يطلب بها كل متروح مشاركة غيره فيما يعانون، أو إشراكهم فيما يعاني. وبالقراءة يشاركهم؛ فيطلع من مصائبهم على ما يرقق لديه مصائبه -وما أكثر ما ضاقت بي الأرض؛ فلم تتسع بسوى ما أقرأ لغيري- وبالكتابة يشركهم؛ فيبوح لهم بما يشرح له صدره، وييسر أمره؛ وما أكثر ما اكتأبت؛ فلم ينجني سوى الكتابة في الموقف المكئب، وكأنما أستعيده لأعدل منه وأتحكم فيه:
“عش ألقا وارتكب
قصيدة وامض
زد سعة الأرض”!

المتعة
ومن دواعي القراءة والكتابة المتعة (السرور والبهجة)ØŒ التي يطلب بها كل متمتع هزة جسمه وطرب نفسه. فأما التمتع بالقراءة فواضح معروف مسلم -إذ يطلع بها القارئ على مساره ومباهجه- وأما التمتع بالكتابة فكالغامض المجهول المنكر على رغم اجتماع الناس فيمن أمتعهم على أنه لو لم يتمتع لم يمتع، وأنه يظل يركب عناصر المتعة ويحكم أمرها ولا يقبل شيئا منها حتى يطرب لتركبه المحكم فيها أولا ويهتز! ولا ريب في أنه ربما تمتع المتثقف بما اهتدى إليه بعد ضلال طويل من ثقافة، والمتروح بما اهتدى إليه بعد عناء معن من راحة -وإن لم يكن هذا ولا ذاك في عرف الناس من مظان المتعة- ومن طريق هذين الاحتمالين جواب من سئل: فيم متعتك؛ إذ قال: “في حجة تتعاظم اتضاحا، وشبه تتضاءل افتضاحا”!

Related posts

Leave a Comment