الدعاء هو طلب تغيير قدر الله، وإن كان لأمر من أمور الآخرة فهو كذكر الله.
وكلا الدعاء والذكر إقرار عمليّ من العبد بحقيقه وجود الله؛ لذا كان الدعاء مخّ العبادة. وأفضل الدعاء قول المؤمن: الحمد لله رب العالمين، لأنّه من حسن الأدب مع الله؛ إذ يستحيي المؤمن من الله أن يطالبه بتغيير قدره؛ فعندها يكشف الله للمؤمن من أسرار جمال وكمال قدره ما يسعد به ولا يحزن؛ لذا كانت “الحمد لله رب العالمين” فاتحة كتابه، والله أعلم!
ولا يستطيع الإنسان أن يكون صافي الذهن خالص الانتباه -ولو كان في الحضرة الإلهيه!- إذ إن الله قد قيّض لكل إنسان شيطانًا؛ فهو له قرين. وهذا الشيطان لا يدعه في نومه أو يقظته، ولا يتركه في صلاته أو عند دخوله الحضرة الإلهيّة؛ فإذا تكلم شوّش عليه فكره ووسوس له بسوء! فإذا كان قلب العبد وهو في الحضرة الإلهية مشتغلا بذكر “لا إله إلا الله”، فربّما وسوس له شيطانه بأن قد أدّيت لله الآن غاية مراده منك، لأن التوحيد هو غاية مراد الله من العبيد! وإذا كان قلب العبد مشتغلا بذكر “الحمد لله رب العالمين”، فربّما وسوس له شيطانه بأن قد كافأت الله الآن على عطائه وإحسانه! وإذا كان قلب العبد مشتغلا بذكر “سبحان الله”، فربمّا وسوس له شيطانه بأن قد نزّهت الله الآن، ورفعت قدره! وعند ذلك يُخشى على العبد الوقوع في خطيئة الكبر والاستعلاء؛ فقد قيل: رب طاعة أورثت عزا واستكبارا! وأكثر الخوف على العبد عند ذلك إنما هو من أن يُطرد من فيوضات بركات الحضرة العلية، ومن يطرد من الحضرة مرة -ويا للأسف!- فربما لا يعود إليها بالمرة، والله أعلم!
أما إذا كان قلب العبد مشتغلا بقول “أستغفر الله”، فهو مستحضر لذنبه مشتغل به؛ فساعةً يسعد في حضرة الكريم، وساعةً يخشى اطّلاع العليم، فيرتجف قلبه خوفا من أن تطرده ذنوبه؛ فقد قيل: رب معصية أورثت ذلا وانكسارا! فإذا كان هذا هو حاله في حضرة الجليل كافأه بأن يكفيه همّه، ورزقه سعادة ورضا لا يفارقان قلبه مادام ذلك مع الله حاله، والله أعلم!