قال لنفسه: يكفي هذا الكم من الحزن الذي يعتصرني طيلة هذه الأيام، أعلم أنها لن تعود إلى عهدها السابق معي حيث التبسط في الحياة متعة لا تقاوم،
لي حالات من وجد ظللت أخفيها أعواما تحت ركام من النسيان، لا أدري ما الذى دفع بها مجددا لأن تعاود الظهور على سطح الحياة، كنت منكفئا على جراحي، الآن ما عدت أستطيع، دب في العجز بل العالم من حولي أصابته حلكة شديدة، الوجوه السوداء بدأت تدب في شوارع المدينة، يا لوحشة منظرها! إنها تبدو كثعابين الليل التي نهشت جلدي ذات ليلة غاب فيها القمر، رأيتها تتراقص مخمورة كلما أنشبت نابها وبثت سمها، ساعتها أصابني دوار شديد، الهذيان صار يطاردني، لبست القطط ثياب الفئران،حتى الرجل ذو الرجل المسلوخة وكنت أتحاشاه حين يظهر البهاق مثل خريطة الوطن مفتتة، النساء في تلك الليلة تقاصفت شعورهن، أثداؤهن تخرج سائلا حمضيا له رائحة كريهة، حتى النخلات التي شارفت القمر يوما بدا أنهن عاجزات عن الحركة، القطارات تصدر عويلا في مناحة تتوالى: الأطفال نسوا أقلامهم، الوحش التهم علب الحليب في شراهة، ثمة طفل منغولي كان يسعدنا بطلعة وجهه الصافية، قيل : لقد وجدوه قطع غيار موزعة عند مدخل المشفى الذي أوت إليه أمي حين وضعت أختي الصغرى! كنت أتحاشى المرور من الشارع الضيق حيث تسكنه الجنية العجوز، دارت حولها حكايات شاب منها شعر رأسي، هذه الليلة جاءت هي الأخرى؛ لكنها بائسة فقد قام الرجل ذو الرجل المسلوخة بكل مهامها، تبطلت هي الأخرى ربما نحن في خريف لا ينتهي، الريح تصدر صوتا مفزعا، شعرت بأن حجرة ثقيلة مما تبقى من بناء بيتنا الذي يعلو تلة جادو تضغط على رئتي، اختل توازني- في الحلم- البئر ذات الفوهة التي تموج بحمم بركانية توشك أن تذيب لحم وجهي، قديما كانت لها طلعة تجلب الرزق، لقبني خالي بالفتى ” المصبح” بالفعل كنت محظوظا، استطعت أن أتعرف على سر الحرف، ومن يومها أنا مصاب بتلك اللوثة التي لا علاج لها، وضعت أمي حول رقبتي تميمة، أعاذتني من العين التي لا تصلي على النبي، يوم الجمعة اليتيمة- ولا أدري كيف تفقد الأيام آباءها- تطعم الصغار والعابرين “زقاق الجنية العجوز” الفول النابت. كنت مزهوا بتلك التميمة فقد كانت من صدف يلمع، ربما استطاعت جدتي أن تأخذ شعرة من القدم المسلوخة، تعاونت معها الجنية العجوز، عصا جدي المجلوبة من شجرة التوت العملاقة التي تسكن ضفة النهر، كانت بها خطوط وأشكال غريبة، مفتاح كبير يتدلى من شرفة بيتنا، لكنهم في أيلول الأسود باعوه لأحد الأعراب ممن تطاول بهم البنيان، مرقد السيدة زينب أم المساكين تنشط حوله ذئاب الليل، الغول يسكن الغورية، لقد هدم مجرى العيون، هاهي بوابة المتولي تصدر أنينها في لوعة، كل ما فعلته؛ وزعت الفول النابت عند درب الأتراك حقا كانوا يعطون لنا خبزا محشوا باللحم، أكلت واحدا منه يوم كنت مجاورا أسكن درب الجماميز، أمسكت بي قبل أن أغرق في فم الخليج. شعرها المنسدل خلفها مثل شلال هادر يدفعني ناحيتها، أذان الفجر يناغم به الشيخ ” نصر الدين”. هذه الحكاية سمعتها منه كلما دبت قدمي في تلك الناحية، يحلو له أن يعيدها علي، ثمة حب جارف لديه لأن يسرد ما وعته ذاكرته، صرت متخما بكل هذا.
To provide the best experiences, we use technologies like cookies to store and/or access device information. Consenting to these technologies will allow us to process data such as browsing behavior or unique IDs on this site. Not consenting or withdrawing consent, may adversely affect certain features and functions.
Functional
Always active
The technical storage or access is strictly necessary for the legitimate purpose of enabling the use of a specific service explicitly requested by the subscriber or user, or for the sole purpose of carrying out the transmission of a communication over an electronic communications network.
Preferences
The technical storage or access is necessary for the legitimate purpose of storing preferences that are not requested by the subscriber or user.
Statistics
The technical storage or access that is used exclusively for statistical purposes.The technical storage or access that is used exclusively for anonymous statistical purposes. Without a subpoena, voluntary compliance on the part of your Internet Service Provider, or additional records from a third party, information stored or retrieved for this purpose alone cannot usually be used to identify you.
Marketing
The technical storage or access is required to create user profiles to send advertising, or to track the user on a website or across several websites for similar marketing purposes.