حين تأتيك تلك العين ، ضع يدك اليمنى على قلبك ، أطلب منه أن يقويك ، أسرع بالصحو ، أمسك بالخيط المعلق فوقك ؛ تنفتح أمامك كوة ، سيتدلى منها مصباح ومفتاح…
لا أدري تفاصيل الحلم ، لكن ثمة أطياف منه تعاودني في يقظتي ، ربما هي أضغاث ، أو لعلها بعض أماني تراودني كل آونة ، أن تأتي السنبلة الخضراء وتحدثني ؛ لو أخبرت أحدا بهذا ، لوصمني بالجنون !
كانت تلك السنبلة تلبس ثوبا قمريا ، كبرت حتى وجدت حباتها مثل حمل الجمل ، الرجال الأقوياء كانوا يحملونها وهم في تعب ، نادت علي ؛ أن أمسك بها ، هممت أن أحملها على كتفي وأجري بها بعيدا ، لكنها عين متوهجة تتوقد شرا ، حين هممت اقتربت ، كلما أصررت تزداد توحشا ، لها أنياب توشك أن تغرزها في جلدي ، خفت منها ، حاولت أن أختفي ، تتشمم عرقي ، اقتربت أكثر ، أنفاسها اللاهثة مثل فحيح أفعى تلتف حول رقبتي ، كريهة مثل شيطان الخرابة التى تحيط بقريتي من كل الجهات ، السنبلة تقذف بها الريح الهوجاء ، وضعتها تلك العين الشريرة بين أظافرها ، بدأت تساومني ، الحبات تتقزم ،تصغر مثل رمال الصحراء ، لا ضير أن بقي لها لون الصفرة ، علامة النضج ، حين قبلت بشرطها ، أن أرفع الراية البيضاء ، أن أهتف ، أن أتقيأ في وعائها ، هي لم تطلب مني غير أن أقطع كفي ، أو أن أتخلص من أصابعي الأربعة ، هي لا تحب تلك الأصابع ، تقبل بكل شيء ، تفتح لي خزانة النهر ، أنال منها وسام العهر ، أعني الفخر ، سيان عندها عهر وفخر ، لي ما أتمنى ، لن تنفخ في أمنيتي ، وعدتني الأصفر من النساء ؛ أمحو من ذاكرتي تلك الفكرة ، الوحش يكره الأفكار ، تململت في رقدتي ، أحس بأن مسمارا يدق في قلبي ، حاولت أن أغير نومتي ، استحضرت آية الكرسي ، هممت أن أغلق فمي ، بل نويت أن أصحو ، بدأت أحرك يدي ،جواري كوب ماء ، أشعر بالعطش ، تذكرت أنه مثقوب ، بل بقاياه تسربت حين وضعته قبل النوم ، الحجرة باردة ، هل أنا في العالم الآخر ؟
تحيط بي الحقول التى يوما ما تجولت فيها ، الساقية المطمورة ، والبقرة الصفراء ، والجميزة المتفحمة ، أشجار السرو مائلة !
الأغطية وقت النوم لا تبقى تلعب بها الشياطين ، تتركنا أشبه بالمومياء ، ما أجد من الدفء ما يعيد إلي الحياة ! هي تقترب مني ، تمسك بتلك الأصابع تضعها في موضعها ، أعطتني السنبلة الخضراء ، بدأ النبض يتدفق في الشريان الملامس لها ، كلما أمسكت بتلك السنبلة ؛ تبتعد تلك العين الشريرة ، تغازلني ، بل تعرت مثل بغي ، استعذت بالله من فعلها ، استحضرت كل معاني الطهر ، لا أدري لم جاء إلي عبدالله بن حذافة السهمي ؟
أحقا أتقوى به ؟
إنه مجرد حلم ثقيل ، الحائط غاب عن حسي ، النافذة في غير موضعها ، الحجرة دون باب ، أترنح في كل اتجاه ، دوار شديد ، الفزع يستبد بي ، لو بقيت هكذا ربما تلتهمني ، سأقاوم ، أطلب العون ، نعم هو يوما كان ينصحني ، حين تأتيك تلك العين ، ضع يدك اليمنى على قلبك ، أطلب منه أن يقويك ، أسرع بالصحو ، أمسك بالخيط المعلق فوقك ؛ تنفتح أمامك كوة ، سيتدلى منها مصباح ومفتاح ، ضع المفتاح في أقرب حائط ، ستجد أمامك الباب ، أخرج منه ، لا تتردد عليك بالسير في هذا الممر ، لا تلتفت شمالا ؛ العين به !
فجأة سمعت صوت المؤذن !
كابوس للسيد شعبان جادو
