رُبَّمَا أَعْيَا الْحَزَمَةَ مَا أَمْكَنَ الْعَجَزَةَ!
“اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَشَارَ لَيْسَ بِكَفِيلٍ، وَأَنَّ الرَّأْيَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ. بَلِ الرَّأْيُ كُلُّهُ غَرَرٌ لِأَنَّ أُمُورَ الدُّنْيَا لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا بِثِقَةٍ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهَا يُدْرِكُهُ الْحَازِمُ إِلَّا وَقَدْ يُدْرِكُهُ الْعَاجِزُ. بَلْ رُبَّمَا أَعْيَا الْحَزَمَةَ مَا أَمْكَنَ الْعَجَزَةَ!
فَإِذَا أَشَارَ عَلَيْكَ صَاحِبُكَ بِرَأْيٍ، ثُمَّ لَمْ تَجِدْ عَاقِبَتَهُ عَلَى مَا كُنْتَ تَأْمُلُ- فَلَا تَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَلَاْ تُلْزِمْهُ لَوْمًا وَعَذْلًا بِأَنْ تَقُولَ: أَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِي، وَأَنْتَ أَمَرْتَنِي، وَلَوْلَا أَنْتَ لَمْ أَفْعَلْ، وَلَا جَرَمَ لَا أُطِيعُكَ فِي شَيْءٍ بَعْدَهَا؛ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ ضَجَرٌ وَلُؤْمٌ وَخِفَّةٌ.
فَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمُشِيرَ، فَعَمِلَ بِرَأْيِكَ، أَوْ تَرَكَهُ، فَبَدَا صَوَابُكَ- فَلَا تَمُنَّنَّ بِهِ، وَلَا تُكْثِرَنَّ ذِكْرَهُ -إِنْ كَانَ فِيهِ نَجَاحٌ- وَلَا تَلُمْهُ عَلَيْهِ -إِنْ كَانَ قَدِ اسْتَبَانَ فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ- بِأَنْ تَقُولَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ افْعَلْ هَذَا؛ فَإِنَّ هَذَا مُجَانِبٌ لِأَدَبِ الْحُكَمَاءِ”.