أَوْ يَفْتَرِقْ نَسَبٌ يُؤَلِّفْ بَيْنَنَا أَدَبٌ أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الْوَالِدِ
أبو تمام
[1] قال محمد بن موسى : ” سمعت عليَّ بن الجَهْمِ ، ذكر دِعْبِلًا فكَفَّرَه
ولعنه وطعن على أشياء من شعره ، وقال : كان يكذب على أبي تمام ،
ويضع عليه الأخبار ، ووالله ما كان مقاربا له . وأخذ في وصف أبي تمام ؛
فقال له رجل : لو كان أبو تمام أخاك ، ما زاد على مدحك له ! فقال : إِلّا
يَكُنْ أَخًا بالنَّسَبِ ، فإنه أَخٌ بالأَدَبِ والدّينِ والمَوَدَّة . أما سمعت ما خاطبني
به:
” إِنْ يُكْدِ مُطَّرَفُ الْإِخاءِ فَإِنَّنا نَغْدو وَنَسْـري في إِخاءٍ تالِدِ
أَوْ يَخْتَلِفْ ماءُ الوِصالِ فَماؤُنا عَذْبٌ تَحَدَّرَ مِنْ غَمامٍ واحِدِ
أَوْ يَفْتَرِقْ نَسَـبٌ يُؤَلِّفْ بَيْنَنا أَدَبٌ أَقَمْـناهُ مَقـامَ الْوالِدِ ” * .
* الصولي : ” أخبار أبي تمام ” ، والتوحيدي : ” البصائر والذخائر ” ، نشرة موقع الوراق الألكتروني .
[divider]
[2] ولقد يَسَّرَ لنا تأدُّبُنا على محمود محمد شاكر المُتَأَدِّبِ على مصطفى
صادق الرافعي-رحمهما الله ! – أن نرى رأْيَ العَيْنِ ، كيف يَسْتَمرُّ الأدب من
المؤدِّب إلى المُتَأَدِّب ، استمرارَ الدم من الأب إلى الابن ، تَعْطِفُ الأولَ على
الآخِرِ أُبوَّةُ التَّأْديبِ ، وتَعْطِفُ الآخِرَ على الأول بُنوَّةُ التَّأَدُّب ، ثم تجمعهم
أُخوَّة الأَدَبِ خُيولَ رِهانٍ ، تَعْدو مَعًا ، وتَظْهَرُ على هذه الحياة الدنيا كَرًّا وَفَرًّا
وَإقبالًا وإدْبارًا ، مَعًا !
ولئن صار الرافعيُّ تراثا يَتَوارَثُهُ شاكرٌ كما قال ، وحَنانًا يَأْوي إليه ، لَبِما
صار شاكرٌ مِقْياسَنا الذي نَقيس بِهِ الرجالَ كما قلتُ ، يُثني عليه ظاهرنا
وباطننا وناطقنا وصامتنا ، كلٌّ يزعم أنه أصدق له ودًّا ، ولطريقته اتباعا ، وعليه ثناء ، غير أنه يصير إلى الصمت عجزا * !
* صقر ( الدكتور محمد جمال ) : ” نجاة من النثر الفني : مقالات
ومقامات” ، طبعة المدني بالقاهرة ، الأولى في 1421هـ=2000م ، 16.
[divider]
[3]ولَئِنْ كان عليُّ بْنُ الجَهْمِ كما قالوا ، من كَمَلَةِ الرجال ، لَبِما يُشْبِهْهُ
محمود محمد شاكر ، دون أن يكون كَمالُهُما إلا العَقْلَ ، ولا ثَقافَتُهُما إلا
الأدبَ .
نَقَلَ البغدادي – عليه وعلى بغداد السلام ! – :
” الأدبُ الذي كانت العرب تعرفه ، هو ما يَحْسُنُ من الأخلاق وفعل المكارم ،
مثلُ تركِ السفهِ ، وبذلِ المجهودِ ، وحسنِ اللقاءِ . قال الغَنَويُّ :
لَمْ يَمْنَعِ النّاسُ مِنّي ما أَرَدتُّ … البيت
كأنه ينكر على نفسه أن يعطيه الناس ولا يعطيهم .
واصطلح الناس بعد الإسلام بمدة طويلة على أن يسموا العالم بالنحو
والشعر وعلوم العرب ، أديبا . ويسمون هذه العلوم الأدب ، وذلك كلام
مُوَلَّدٌ ، لأن هذه العلوم حدثت في الإسلام . واشتقاقه من شيئين : يجوز أن
يكون من الأَدْبِ وهو العَجَبِ ، ومن الأَدْبِ مصدر قولك : أدَ بَ فُلانٌ القومَ
يأدِبُهم أَدْبًا ، إذا دعاهم . قال طَرَفَةُ :
نَحْنُ في الْمَشْتاةِ نَدْعو الْجَفَلى لا تَرى الْآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ
فإذا كان من الأَدْبِ الذي هو العَجَب ، فكأنه الشيء الذي يُعْجَبُ منه لحسنه ،
لأن صاحبه الرجل الذي يُعْجَبُ منه لفضله . وإذا كان من الأَدْب الذي هو
الدعاء ، فكأنه الشيء يدعو الناس إلى المحامد والفضل ، فينهاهم عن
المقابح والجهل . والفعل منه أدِبْتُ آدَبُ أدبا من باب فَرِحَ ، فأنا أَديبٌ .
والمُتَأَدِّبُ : الذي قد أخذ من الأدب بحظ ، وهو مُتَفَعِّلٌ من الأَدَبِ ، يقال منه
أَدُبَ الرجل يأْدُبُ إذا صار أديبا ، ومثل كرم ، إذا صار كريما ” * .
* البغدادي ( عبد القادر بن عمر ) : ” خزانة الأدب ولب لباب لسان
العرب ” ، حققه وشرحه الأستاذ عبد السلام هارون ، وطبعه المدني الثانية
في 1981م ، ونشره الخانجي بالقاهرة ، 9/432-433 . ولقد أورد
البيت من قبل – في 9/431 – هكذا :
لا يَمْنَعُ النّاسُ مِنّي ما أَرَدتُّ وَلا أُعْطيهِمُ ما أَرادوا حُسْنَ ذا أَدَبا
شاهدا على أن ( حُسْنَ ) فيه للمدح والتعجب .
لكأنه لما تَأَصَّلَ بالمعنى الحادث ، تَأَصَّلَتْ له صيغةٌ مِنْ بابِ الْكَرَمِ الدالِّ على
الطبائع الثابتة والسجايا الراسخة .
[divider]
[4] من ثَمَّ لم يَكُنْ أَنْقَصَ عَقْلًا ، ولا أَسْوَأَ أَدَبًا ، مِنْ أن نترجم كلمة ”
Culture ” الإنجليزية ، بكلمة ” ثقافة ” العربية ، بحيث لم يُسْتَغْرَبْ كما
يقول بعض الباحثين ، ” إذا ما تَعاظَمَ إنتاجُ الفكر وبدأ غَرْسُ القِيَمِ الجديدة
وحَصْدُ ثِمارِ النهضة ، أن يطلق الإنسان الأوروبي لفظ ” Culture ”
على هذه العملية . وأما عن دوره تجاه المجتمعات الأخرى فهو مفهوم يعبر
عن عملية زرع القيم والأخلاق والمؤسسات الأوروبية ، في المجتمعات
الأخرى ، تمهيدًا لحصاد هذه المجتمعات ، سواءٌ عقولٌ مبدعة تهاجر إلى
المجتمع الأوربي أو مواردُ اقتصادية تغذي عجلة اقتصاده ” * .
* باحث مجهول : ” الثقافة في الفكر الغربي ” ، نشرة موقع إسلام أون
لاين الألكتروني .
أين دلالة الكلمة الإنجليزية على ضرورة إخضاع المثقف لغيره وضرورة
خضوع غيره له جميعا معا ، بما في أصلها اللاتيني من معالم الحَرْث
والزرع – من دلالة الكلمة العربية على ضرورة تقدير المثقف لنفسه
وضرورة تقديره لغيره جميعا معا ، بما في أصلها العربي من معالم الفهم
والحذق والفطنة والضبط والثبات والذكاء والتهذيب والتقويم والإدراك والظفر * !
* عارف ( الدكتور نصر ) : ” الثقافة مفهوم ذاتي متجدد ” ، نشرة موقع إسلام أون لاين الألكتروني .
[divider]
[5] ” أَيْنَ امْرؤُ القَيْـِس والعَذارى إِذْ مالَ مِنْ تَحْتِهِ الْغَبـيطُ
اسْتَنْبَطَ الْعُرْبُ في المَوامي بَعْدَكَ واسْتَعْرَبَ النَّبـيطُ “
صدق أبو بصير المعري ، وإن ألزم نفسه ما لم يكن يلزمها ؛ فإنما العروبة
استيلاء اللغة العربية على التفكير والكلام ، لا على اللحوم والعظام ؛ فرُبَّ
قرشي عجمي ، وعجمي قرشي !
[divider]
[6] ” أَيا جارَتا إِنّا أَديبانِ هاهُنا وَكُلُّ أَديبٍ لِلْأَديبِ نَسيبُ “
لكأني بي واقفا على امْرِئِ القَيْسِ مِنْ قَبْلِ أن ينتهى إلى مُخَلَّدِهِ ، أُحَرِّفُ له
بيتَه ؛ فيعجبُه التَّحريف ، ويُدْهِشُهُ مَجْمَعُ ما بيني وبينه على انفراط الدهور؛
فأُذَكِّرُهُ أَرْبعةَ الأعمالِ الكِبارِ التي نَظَمَ بها أَدَبَه ، أَنَّني تمسكتُ بها أصولًا
لغوية تفكيرية لا أَزيغُ عنها حياةً ؛ فَدَفَقَتْهُ في أوردتي ؛ فيستنكر الاستطالة
عليه ؛ فأفصِّلها له وكأنْ مجلسي بالجامعة قد انعَقَدَ ، مُتَذَمِّمًا من انعكاس
المقامين :
أولها الإبدال ، وفيه يمر بمادة الكلام حتى يختار منها ما يلائمه ،
وثانيها الترتيب ، وفيه يصرِّف ما اختار حتى يضعه حيث يلائمه ،
وثالثها الحذف ، وفيه ينقص مما اختار ، ما يستغني عنه ،
وآخرها الإضافة ، وفيه يزيد فيما اختار ، ما لا يستغني عنه .
رائده في كل منها العَروض الذي طَرِبَ له أوَّلًا ؛ فأقبل يُغَنّيه ومَعازِفُهُ مفرداتُ الكلام العربي المبين .
فيُقْسم بهواه – قاتله الله ! – إنْ خطرت له تلك الأعمال ببال ؛ فأقسم بربّي –
سبحانه ، وتعالى ! – إلا تكن خَطَرَتْ له أسماءً ، لقد خَطَرَ بها أفعالا ؛
فيُطْرِقُ منشدا :
“ بَكى صاحِبي لمّا رَأى الدَّرْبَ دونَهُ وَأَيْقَنَ أَنّا لاحِقانِ بِقَيْصَرا
فَقُلْتُ لَه لا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّما نُحاوِلُ مُلْكًا أَوْ نَمـوتَ فَنُعْذَرا ” ،
نَدَمًا أَنْ لم يَنْتَجِبْ للرِّحْلة ؛ فَانْقَطَعَ ، وأنْ كانت إلى قَيْصَرٍ ؛ فَاسْتَعْجَمَ !
[divider]
[7] ولقد يتعلق في ثقافتنا العربية الإسلامية ، الإسلامُ بالعروبة ، حتى
لَيجوز لمن شاء الكمالَ ، أن يدَّعي أَلّا إسلامَ إلا بعروبة ، وأَلّا عروبةَ إلا
بإسلام ؛ فباللغة العربية المبينة كان الكتاب وكانت السنة اللذان هما وطن
عقيدة الإسلام ، وفَهِمَ وأَفْهَمَ غيرَهم العربُ الذين هم حَمَلة عقيدة الإسلام ،
وبالإسلام كانت العلوم وكانت الفنون التي أشعلت في رأس جبل المجد نار
اللغة العربية ، وتَعلَّم وعَلَّم غيرَهم اللغويون الذين هم حَمَلَةُ اللغة العربية .
[divider]
[8] وإن الثقافة الإسلامية ، لؤلؤة ضخمة ، رملة قلبها العقيدة البينة
بالكتاب والسنة ، وصَخْرَةُ جسمِها العلومُ والمعارف والخبرات والأقوال
والأفعال والإقرارات ، التي انبنت لمعتقد هذه العقيدة ، بمعالجته النظر في
نفسه وفيما حوله .
[divider]
[9] وإن سمو أية ثقافة على غيرها ، إنما يكون بما تزيد في إنسانيَّة
الإنسان ، وتُخْصِبُ من حياته ، وتنير من بصيرته – لا بما تزيد في حيوانيته، وتُجْدِبُ من حياته ، وتُطْفِئُ من بَصيرته !
[divider]
[10] وإن نسبة أية حضارة إلى منتسبها ، بحيث يقال : إسلامية ،
ومسيحية ، إنما تكون بثقافتها التي هي جذر شجرتها ، على حينِ المادياتُ
فرعُها ،وليس أصدقَ في تصوير الحضارة، من تشبيهها بالشجرة الحية ؛
فلا حياة لماديات الحضارة إلا بمعنوياتها ، ولا سُطوع لمعنوياتها إلا
بمادياتها ، كما لا حياة لفرع الشجرة الحية إلا بجذرها ، ولا سُطوع لجذرها
إلا بفرعها .
[divider]
[11] وإن نسبة الأدب إلى الإسلام في ” الأدب الإسلامي ” ، هي من نسبة
الفن إليه في ” الفن الإسلامي ” ، التي تجاري نسبة العلم إليه في ” العلم
الإسلامي ” ، وكلتا النسبتين من نسبة الحضارة إليه في ” الحضارة
الإسلامية ” ؛ فمن أبى نسبة الأدب ، أبى نسبة الفن والعلم والحضارة ،
وأخفى رضاه عن عَوْلَمَةِ حضارة واحدة لم تسمح لغير أهلها إلا بالنَّقْصِ
وإلا بالجَدْبِ وإلا بالعَمى .
ولأمرٍ ما قال بعض نقاد الحداثة : ” علىالرغم من أن
للأيديولوجيا نسقًا مختلفًا عن الشعر والفن عامة ، إلا أن بينهمامن الارتباط
ما لا يمكن إغفاله أو تجاوزه . ولاينهض ذلك من أن الشعر موقف جمالي
منالواقع فحسب ، بل ينهض أيضاً من أنه خطاب يتوسط بين المرسل
والمتلقياللذين لكل منهما موقعه ومنظوره ، بمعنى أن الشعر بوصفه موقفًا
وخطابًا جماليين ،ينطوي بالضرورة على خطاب أيديولوجي ما . ومن ذلك ،
فإن الشعر يتحدد أيديولوجيًّا ،مثلما يتحدد لغويًّا وذاتيًّا ، غير أن تحديده
الأيديولوجي لايؤدي به إلى أن يتحولإلى أيديولوجية . وإذا ما حصل ذلك ،
فإن انتفاء الشِّعْريِّ عن النص الذي من المفترضأن يكون شعريًّا ، يغدو أمرًا محتومًا أو شبه محتوم ” * .
* كليب ( الدكتور سعد الدين ) : ” وعي الحداثة : دراسات جمالية في
الحداثة الشعرية ” ، نشرة موقع اتحاد الكتاب العرب الألكتروني .
أجل !
وهل شفع له قبلُ ، حتى يشفع الآن !
لم يكن ليدَّعي في الإسلام ، إلا كما يدعي في القوم من ليس منهم ، ممَّن ربما كان مِنْ عدوِّهم !
” أَمّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً ، وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ في الْأَرْضِ ” ، صدق
الحق ، سبحانه ، وتعالى!
[divider]
[12] هذان مثالان : خبرُ وفود أبي جندلٍ عُبيدِ بنِ حُصَيْنٍ الراعي النُّمَيْريِّ،
على عبد الملك بن مروان ، يمدحه ويشكو إليه جباة الزكاة – وخبرُ مُذاكرة
عليِّ بن الجَهْم السابق ذكره ، والبُحتريِّ في أشعار زمانهما .
أما راعي الإبل فقد وفد على أمير المؤمنين ، بلاميته التي مطلعها :
” أَوَليَّ أَمْـرِ اللهِ إِنّا مَعْشَـرٌ حُنَفاءُ نَسْـجُدُ بُكْرَةً وَأَصيلا
عُرْبٌ نَرى لِلّهِ في أَمْوالِـنا حَقَّ الزَّكـاةِ مُنَـزَّلًا تَنْزيـلا
قَوْمٌ عَلى الْإِسْـلامِ لَمّا يَمْنَعوا ماعونَهُمْ وَيُضَيِّعوا التَّهْليلا ”
وكان يُعَقِّقُ من أولاده من لم يحفظها هي وداليَّته التي مطلعها :
” بانَ الْأَحبَّةُ بِالْعَهْدِ الَّذي عَهِدوا … “
فقال له : ليس هذا شعرا ، هذا شَرْحُ إسلامٍ ، وقِراءةُ آيةٍ * !
* البغدادي : 3/146-147 ، والمرزباني ( أبو عبيد الله محمد بن
عمران) : ” الموشح : مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع من
صناعة الشعر ” ، حققه محمد علي البجاوي ، وطبعته دار الفكر العربي
بالقاهرة ، 210 .
وأما علي والبحتري فقد أفاضا في أشعار المحدثين إلى أن ذكرا أَشْجَعَ
السُّلَميَّ ، فقال عليٌّ للبحتري : إنه يُخْلي . واضطره شعرُ السُّلَميِّ إلى أن
يعيدها عليه مَرّاتٍ ، ولم يفهمها !
قال البحتري : ” وأنفتُ أن أسأله عن معناها ، فلمّا انصرفتُ أَفْكَرْتُ في
الكلمة ، ونظرتُ في شعر أشجع ، فإذا هو ربما مرت له الأبيات مَغْسولةً ليس فيها بيت رائع ، وإذا هو يريد هذا بعينه ، أَنَّه يعمل الأبيات ، ولا تُصيب
فيها بيتًا نادرًا ، كما أن الرامي إذا رمى برَشْقِهِ ، فلم يُصبْ فيه بشيء ، قيل: أَخْلى ” * .
ثم قال البحتري : ” وكان علي بن الجهم عالما بالشعر ” * .
* المرزباني : 362 .
لن يجد الإسلام من الأدب حين يخرج لَوْكًا له ، على رغم نِعْمة التَّعَلُّق به ،
إلا ما يجد كِتابُه من تفسيره حين يخرج تكرارا له ، حتى قال بعض النقاد ،
في أهل هذا النمط من التفسير : يمحو الواحد منهم عبارة ” قرآنٌ كريمٌ ” ،
من على غلاف المصحف ، ويثبت في موضعها عبارة ” تأليفُ الدكتور
فلان” !
ولأمر ما قال الزمخشري :
” قَدْ فَسَّرَ النّاسُ لكِنْ لا غَناءَ بِهِ فَالْجَهْلُ كَالدّاءِ وَالْكَشّافُ كَالشّافي ” !
[divider]
[13] ولقد اجتمع رأي جماعة من دعاة الأدب الإسلامي ، على إنشاء
هيئة أدبية عالمية بعيدة من الصراعات السياسية والحزبية ، تضمّ الأدباء
المنتسبين إليها ؛ فتوثّق أخوتهم في الكلمة الطيبة الهادفة ، وترعى أدبهم ،
وتُجلّي مبادئه ، وتُبيِّن أهدافه ، وتنشره على العالم – لمّا دعاهم كما قالوا ،
” واجبُ الدعوة إلى اللهعز وجل عن طريق الكلمة الأصيلة الملتزمة ،
وغربةُ الأدب الإسلامي ، وسيطرةُ الأدبالمزوّر على العالمين العربي
والإسلامي ” * .
التقوا برئاسة أبي الحسن الندْوي صاحب الدعوة الأولى – رحمه الله ! –
ودعوا إلى المؤتمر الأول للهيئة العامة في رحاب جامعة ندوة العلماء
بمدينة لكنو الهندية ، في 1406هـ=1986م ، فوضعوا نظاما أسـاسيا ،
وانتخبوا مجلس أمناء ، وأبا الحسن الندوي رئيسًا مدى الحياة ، وأثبتوا
هيئتهم بسِجِلِّ المدينة الهندية رابطةً رسمية ، ثم نقلوها إلى مدينة الرياض
السعودية ، في 1421هـ=2000 م ، بعد وفاة الندوي – رحمه الله ! –
وانتخبوا الدكتور عبد القدوس أبو صالح ، أحدمؤسسيها ، رئيساً لها .
[divider]
[14] ولقد أرادوا الثلاثة عشر مرادا التالية :
” تأصيلُ الأدب الإسلامي وإبرازُ سماته في القديم والحديث . إرساءُ قواعد
النقد الأدبي الإسلامي . صياغةُ نظرية متكاملة للأدب الإسلامي . وضعُ
مناهج إسلامية للفنون الأدبية الحديثة . إعادةُ كتابة تاريخ الأدب الإسلامي
في آداب الشعوب الإسلامية . جمعُ الأعمال الأدبية الإسلامية المتميزة ،
ونقلُها إلى لغات الشعوب الإسلامية وغيرها من اللغات العالمية . العنايةُ
بأدب الأطفال . نقدُ المذاهب الأدبية المنحرفة ، وإيضاحُ سلبياتها . تعزيزُ
عالمية الأدب الإسلامي . توثيقُ الصلات بين الأدباء الإسلاميين ، وإقامةُ
التعاون بينهم ، وجمعُ كلمتهم على الحق وفق منهج الحكمة والاعتدال .
إسهامُ الأدب الإسلامي في تنشئة الأجيال المؤمنة ، وصياغةِ الشخصية
الإسلامية المعتزة بدينها القويم وتراثها العظيم . تيسيرُ وسائل النشر
لأعضاء الرابطة . الدفاعُ عن الحقوق الأدبية للرابطة وأعضائها ” * .
[divider]
[15] وانطلقوا إلى نيل تلك المرادات من المبادئ الستة عشر التالية ، التي
تتضمن ما يمكن أن يعد خصائص الأدب الإسلامي الذي أرادوا :
” الأدبُ الإسلامي هو التعبير الفني الهادف عن الإنسانوالحياة والكون
وفقالتصورالإسلامي .الأدبُ الإسلامي ريادة للأمة ، ومسؤولية أمام الله عز
وجل .الأدبُ الإسلامي أدب ملتزم ، والتزامُ الأديب فيه التزام عفوينابع من
التزامهبالعقيدةالإسلامية ، ورسالته جزء من رسالة الإسلام العظيم .الأدبُ
طـريق مهـم من طرق بناء الإنسان الصالح والمجتمعالصالح ، وأداةٌ
منأدواتالدعوة إلى الله عزّ وجلّ والدفاع عن الشخصية الإسلامية .الأدبُ
الإسلامي مســؤول عن الإسهـام في إنقاذ الأمة الإسلاميةمن
محنتهاالمعاصرة ، والأدباءُالإسلاميون أصحاب ريادة في ذلك .الأدبُ
الإسلامي حقيقة منذ انبلج فجر الإسلام ، وهو يستمد عطاءهمن
مشكاةالوحي وهَدْيالنبوة ، ويمتد عبر العصور إلى عصرنا الحاضر ليسهم
في الدعوة إلىالله عز وجل ، ومحاربة أعداء الإسلاموالمنحرفين عنه .
الأدبُ الإسلامي هو أدب الشعوب الإسلامية على اختـلاف أجناسهاولغاتها،
وخصائصُه هي الخصائصالفنية المشتركة بين آداب الشعوب
الإسلامية كلها .يقــدم التصـور الإسلامي للإنسان والحياة والكون – كمـا
نجدهفي الأدبالإسلامــي – أصولالنظرية متكاملة في الأدب والنقد ، وملامح
هذه النظريةموجودة في النتاج الأدبي الإسلامي الممتد عبرالقرون
المتوالية .
يـرفض الأدب الإســلامي أية محاولة لقطع الصلة بين الأدبالقديم
والأدبالحديث بدعوىالتطور أو الحداثة أو المعاصَرة ، ويرى أن الحديث
مرتبط بجذورهالقديمة . يرفـض الأدب الإسلامي النظريات والمذاهب الأدبية
المنحرفة ،والأدب العربيالـمزوّر ،والنقد الأدبي المبني على المجاملة
المشبوهة ، أو الحقد الشخصي ، كمايرفض لغـــة النقد التي يشوّهها
الغموضوتفشو فيها المصطلحات الدخيلةوالرموز المشبوهة ، ويدعو إلى
نقد واضح بنّاء ، يعمل على ترشيد مسيرةالأدب ،وترسيخ أصوله . الأدبُ
الإسلامي أدب متكامل ، ولا يتحقق تكامله إلا بتآزرالمضمون مع الشكل.
الأدبُ الإسلامي يفتح صدره للفنون الأدبية الحديثة ، ويحرص علىأن
يقدمهـاللناس وقد برئت منكل ما يخالف دين الله عز وجل ، وغَنِيَتْ بما في
الإسلام منقيم سامية وتوجيهات سديدة . اللغةُ العربية الفصحى هي اللغة
الأولى للأدب الإسلامي الذييرفض العامية ،ويحارب الدعوةإليها .الأديبُ
الإسلامي مؤتمن على فكر الأمة ومشاعرها ، ولا يستطيع أنينهض
بهذهالأمانة إلا إذاكان تصوره العقدي صحيحًا ، ومعارفه الإسلامية كافية.
الأدباءُ الإسلاميون متقيدون بالإسلام وقيمه ، وملتزمون فيأدبهم بمبادئه
ومثله . إن رابطة العقيدة هي الرابطةُ الأصيلة بين أعضاء رابطة
الأدبالإسلامي العالميةجميعًا ،ويضـاف إليها آصرةُ الزمالة الأدبية التي تُعَدّ
رابطةً خاصة ، تشدّ الأدباءالإسلاميين بعضهم إلى بعض ، معوحدة المبادئ
والأهداف التي يلتزمون بها ” * .
* ” التعريف بالرابطة ” ، و” النظام الأساسي ” ، و” ما هو الأدب
الإسلامي ” ، نشرة موقع رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، الألكتروني .
[divider]
[16] لا ريب في ضرورة الغضب المستمر على الواقع المُزري ، سبيلا
إلى التغيير .
ثُمَّ لا ريب في جدوى المؤازرة الطبيعية في العمل الجماعي ؛ فيدُ الله-
سبحانه ، وتعالى !- مع الجماعة ، وحيثما يَمَّمنا وجدنا الذئبَ يأكل منّا شاةً قاصيةً .
ثُمَّتَ لا ريب في شرف البذل للثقافة والمثقفين ، تيسيرا وتمكينا .
ولكنَّ الريب في مقابلة اللغة العربية في المبادئ ، باللهجات العربية ، لا
باللغات الغير العربية ، وإن كانت لغات شعوب أخرى من هذه الأمة ، وفيما
سبق من بيان علاقة الإسلام بالعربية ، بلاغ .
ثُمَّ لكنَّ الرَّيْب في ذلك التعهد باطراح الصراعات السياسية والحزبية ، وكأنه
وفاء بما شَرَطَ الباذِلُ !
ثُمَّتَ لكنَّ الريبَ في أن تلتبس ” سيطرة الأدب المزور على العالمين العربي
والإسلامي ” ، على كثير من الأدباء الإسلاميين ، بحيث يطَّرح ما سوى ما
تقره الرابطة ، في سبيل تأكيد الولاء بالبراء !
وحَسْبُنا التنبيهُ على ما لرئيس الرابطة الدكتور عبد القدوس أبو صالح
نفسه، من تحقيقات مشهورة عندنا ، لبعض كتب الأدب القديم ، من مثل : ”
يزيد بن مفرغ الحميري وشعره” ، و” تحقيق وشرح ديوان ذي الرمة لأبي
نصرالباهلي” .
فإن يزيد شاعر مشهور بمخالفاته على أمير المؤمنين ، في مثل قوله :
” أَلا أَبْلِغْ مُعاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ مُغَلْغَـةً مِنَ الرَّجُلِ الْيَمـاني
أَتَغْضَبُ أَنْ يُقالَ أَبوكَ عَفٌّ وَتَرْضى أَنْ يُقالَ أَبوكَ زانِ ” !
وإن ذا الرمة شاعر مشهور بصحبة عزة التي حَكَّمها عليه ، بقوله :
” أَسيئي بِنا أَوْ أَحْسِني لا مَلومَةً لَدَيْنا وَلا مَقْليَّةً إِنْ تَقَلَّتِ ” !
[divider]
[17] ليس مجهولا على الزمان ، بُعْدُ هِمَمِ الثُّوار للعقائد الصحيحة الطيبة ،
وجلال غاياتهم . ولكن المجهول ما يكون منهم بعد هدوء ثورتهم !
أخشى أن يكون أهلنا الأدباء الرابطيّون ، قد اكتفوا ببعض ما شرطوا على
أنفسهم ، دون أن يغنيهم ولا أن يغنينا ، عن بعضه .
إننا لا نجدهم كلما أردناهم ، ولا حيثما أردناهم ، ولا على ما أرادوا لأنفسهم
وأردنا لهم ؛ فإذا وجدناهم ، كانوا كما قال أمير المؤمنين ، شُرّاحَ إسلام
وقُرّاءَ آيات .
(830) المشاهدات